الخميس، ١٧ يناير ٢٠٠٨

قصة تمثال لاظوغلى


أعزائى .. آثرت أن أعنون هذا المقال بهذا العنوان لاهتمامى بهذا التمثال الذى لا يهتم به أحد و لا يعرفه إلا سكان المنطقة و روادها ..و حتى الدولة لم تهتم به و لم تجدده او تطليه فى حملتها الاخيرة لاعادة دهان سباع قصر النيل و تماثيل طلعت حرب و ابراهيم باشا و مصطفى كامل علما بأن ما تم دهانه و تجديده تجديدا حقيقيا فقط هو ابراهيم باشا اما الباقى فيتضح فيها نصب الدولة علينا



نقلا مترجما عن مقال بعنوان"ذات يوم كانوا ملوكا" فى مقالها هذا تأخذنا كاتبة عمودنا التاريخى فى رحلة عبر طبقات القاهرة المعمارية.



بقلم: فايزة حسن.مجلة مصر اليوم ديسمبر 2004






قد تكون القاهرة الفاطمية ذات جلال و فخامة لكننا لا نسمع كلمة أو تعليق واحد من الرحالة و السياح المسافرين عنها إلا قليلا طالما أنه لم يتبق من آثار هذه المدينة الملكية سوى النذر اليسير هذا ان كان متبقيا منها شئ من الاصل و قد تعرضت للطمس و المحو من جراء أمواج المدنية و قد ضاع أغلبها سدى



حتى القرن التاسع عشر بدت القاهرة راضية عن إبحارها فى حالة من التداعى و التحلل الأنيق الحسن المظهر حتى حاول أحد حكام مصر فجأة ومن أجل مجده الشخصى حاول انتزاعها واخراجها من العصور الوسطى.فى تحرك يائس لتحديث القاهرة فى وقت قياسى قرر الخديوى اسماعيل على نحو متضارب متنافر أن يخبئ و يخفى الاحياء الاهلية خلف ستار من المبانى الباريسية الطراز و إن كان ذلك غير كاف فقد تبنى أيضا الاسلوب الاجنبى فى تزيين ميادينه الاصطناعية الجديدة و متنزهاته و حدائقه بتماثيل تنتشر فى كل مكان شاهدة على اكثر اعضاء اسرة محمد على الحاكمة بذخا و شهرة ومجدا و احد الذين خدموا هذه الاسرة غاية الخدمة وافضلها

لقد كان رحالة و مسافرو القرن التاسع عشر عادة يتحيرون و ينبهرون بمرآى تمثال ابراهيم باشا على صهوة جواده المطهم يحث الزوار و يشد انتباههم مشيرا باصبعه نحو الاحياء و الابنية القريبة خلف ميدان الاوبرا و ينبهرون كذلك بمرآى تمثال سليان باشا الفرنساوى المحارب القديم غير المهندم فى الميدان الذى كان يعرف باسمه حتى قيام الثورة فأزيل التمثال و نصب مكانه تمثال الزعيم طلعت حرب و سمى الميدان باسمه.و ان تمثال سليمان باشا هذا هو احد اعظم اعمال النحات الفرنسى العظيم جاكمارت و الذى كان - التمثال- ممتعا كمولود ولد بعد وفاة أبيه فلم يره سليمان باشا قط و انما نحت بعد موته و قد اضفى هذا التمثال فى تجسده البرونزى متعة على الميدان و تمتع هو بأناقة و روعة و امتياز و بذخ و اسراف هذا الميدان الذى يعد أكثر ميادين العاصمة تحضرا و تمسكا بالطراز الغربى رغم انه يولى ظهره صوب جروبى و الذى كان وقتذاك اعظم صالونات الصفوة و علية القوم فى العاصمة حيث يلتقى فيه الباشاوات فى وقت العصارى مع محظياتهم و سيدات المجتمع


و قد تم تكليف جاكمارت ايضا بتزيين كوبرى قصر النيل بالسباع ( الأسود) المتسمة بالأبهة حتى أننا لا نزال نعجب بها إلى اليوم و كلف أيضا بتصميم تمثال لاظوغلى ( و هو القائد العسكرى كتخدا محمد على ) .و من اجل هذه المهمة الاخيرة و بما أن لاظوغلى و هو الموديل والنموذج الاصلى الذى يجب عمل التمثال على صورته قد توفى منذ فترة فقد احتاج جاكمارت الى وثيقة من نوع ما من اجل تصميم تمثاله.و لأن لاظوغلى كان منشغلا طيلة حياته فى احباط المؤامرات العديدة و المتنوعة التى تحاط بانتظام ضد سيده محمد على فلم يكن لديه متسع من الوقت ليقف ساكنا ليصنع له اى عمل فنى يخلد ملامحه.



يروى أمين باشا سامى و هو مؤرخ و كاتب حوليات فى القرن التاسع عشر فى كتابه تقويم النيل ان اعضاء الحكومة اعتمدوا على و وضعوا ثقتهم فى حل هذه المشكلة فى ثابت باشا و درمللى باشا و اللذان كانت أسرتاهما وثيقتا الصلات بأسرة لاظوغلى.و كان البحث فى بدايته دون جدوى فكان غير مثمر فى البداية و لكن ذات مساء بينما يرتشف ثابت و درمللى الشاى الساخن فى مقهاهما المفضل فى خان الخليلى أشار درمللى نحو سقا (أحد السقائين) يسير بالقرب منهما و هو نصف منحنى تحت قربته المصنوعة من جلد الماعز



صاح هاتفا:" ألا يبدو تماما مثل لاظوغلى؟". اندهش و انصدم ثابت باشا فى بادئ الامر ثم حدج السقا بنظرة طويلة.و قال مؤكدا و مومئا بحكمة :" إنه صورة طبق الاصل كفولة انقسمت نصفين من الكتخدا"


عندئذ دنا الصديقان من الرجل و وعداه بأجر سخى لو التقى بهما فى اليوم التالى فى عنوان معين حدداه له.و فى غضون ذلك جمعا الملابس القليلة التى يتذكرون انها تمت بصلة الى عصر لاظوغلى مثل السيف الذى لا غنى عنه و وسام (نيشان) رتبته و منصبه فى حكومة محمد على.و قد ارتدى السقا هذا الزى الجديد عليه و تم تصويره فوتوغرافيا على يد محترف و خبير تصوير.و قد رضيا - ثابت و الدرمللى- عن النتيجة و قدما الصورة الى جاكمارت و التى استخدمها كنموذج ( موديل) لصنع التمثال الجذاب الذى يقف منتصبا اليوم فى ميدان لاظوغلى بالقرب من مبنى رئاسة جهاز مباحث امن الدولة



و قد وضعت الثورة نهاية مفاجئة للهو و الالعاب و اطلقت نفسها فى استئصال و اجتثاث المعالم التى تستدعى أسرة محمد على الى الذاكرة فى محاولة لتطهير مصر من حكمه الطغيانى.و كان الابطال القوميون ذوو البذلات المكونة من ثلاث قطع يحلقون و يستبدلون على قواعد التماثيل محل سابقيهم المشاكسين على تلك القواعد و الا لبقيت القواعد بلا تماثيل كتذكار صلب على تغير حالة مصر الوجدانية.و هكذا بإمكاننا أن نرى اليوم طلعت حرب يقف برباطة جأش و هدوء مهيمنا على التشوه المرورى المستديم فى الميدان الشهير الذى لا يزال معظم القاهريين يطلقون عليه اسم سليمان باشا.




و قد بلغ ذلك أيضا نهايته على أية حال و مع فجر و مطلع القرن الحادى و العشرين أدت الحاجة و الضرورة الاقتصادية السلطات الى منح السياحة الشاملة اشارة موافقة قوية.و سرعان ما اصبح واضحا جليا انه لابد ان تخضع القاهرة لتجديد و اعادة صقل اذا أردنا لها أن تظل تلعب دورها كموقع عالمى شهير




و فى تلك الاثناء و نتيجة لسياسة الباب المفتوح فان صناعة البناء قد دُمرت.و لبعض الاسباب التى لا يمكننا سبر أغوارها فان المسئولين و من فى موقع القرار وجدوا الوحى و الالهام هنالك و تقرر ان استرداد رونق القاهرة على عجالة و بسرعة يمكن الاعتماد فيه على تجهيزات المبانى الضخمة المعدة بما يعتقد انه الملائم لانجاز العمل من الميكنة المناسبة و قوة ذراع الانسان.



و إذا دخل المقاول المصرى فى أمر فلا حاجة لاستدعاء الضجيج الى الذاكرة و الذى يعقب التخبطات المعمارية و المدنية لهؤلاء المعيدين (معيدو التراث الى سابق عهده و محيو المبانى العتيقة الجميلة الى حالتها الرائعة و رونقها) الهواة غير الخبراء.و يكفينا أن نقول مشدوهين ان الخبراء والمتخصصين الذين ظلوا و بقوا خارج نطاق الترميم و الاحياء و لم يعرفوا شيئا عما يجرى للمبانى .. هؤلاء الخبراء قد لجأوا الى المنظمات الدولية واستغاثوا بها و شكوا لها كى تقوم بحماية التراث الوطنى القومى بينما يشاهدون و لا حيلة فى ايديهم و لا حول لهم و لا قوة الدمار الحاصل و الواقع و الحادث للآثار و المبانى و المساحات العامة




و لكن هذه البداية لم تتوقف عند ذلك الحد.فجأة اصبحت اعمال التعمير و الترميم و التجديد هى اللعبة الوحيدة فى المدينة.كميات من بلاطات الحمامات السيراميكية غير المباعة لتغطية احواض الزهور و النافورات مع كتابة واضحة لاسم شركات التأمين أو الهواتف المحمولة تحت الدلافين الصفيحية الرخيصة الرديئة الصنع والنحت و الضفادع البيضاء و طيور البلشون المشوهة.و الجرانيت محيط بالساعة مكونا اسطح كافية لتكوين مماشى زلقة و كذلك من اجل تغطية المبانى العامة بشكل لا اختلاف و لا تباين فيه مثل مبنى كليك فودافون فى الحى الثانى عشر بمدينة السادس من اكتوبر.و جرار ضخمة ديكورية بالوان فاقعة صارخة تم وضعها حول ميدان التحرير (الذى كان ذات يوم ميدان الاسماعيلية البهيج) ربما باعتقاد خاطئ ان هذه الجرار ستجذب الانتباه عن الفوضى التى اصبحت الحالة الطبيعية للمكان.




و ضحية أخرى هى ميدان الازبكية بمنطقة وسط البلد يبدو كما لو كان فريسة لروح منتقمة غاضبة.مع تعقيد كباريها و مرورها المتشابك كقضبان السجن و قد غطيت واجهات مبانيها المتجهمة على عجل بطبقة من الطلاء الرخيص بلون صبغ أصفر كجبن الشيدر غير متوقع و وردى صادم و اخضر كالسلاطة او بلون سمك السلمون المثير للتساؤل و كذلك فنادقها المتباهية فالقاهرة الان تفزع السياح بدلا من ان تجذبهم.فقط الاحمق و الغبى من لا يختار تجنبها و تحاشيها.

فهل هناك علاج ودواء شاف لهذه الحالة؟ كخطوة اولى لابد من اسداء النصح للسلطات كى تعلن عن قرار بتأجيل التحسينات المعمارية.و لاحقا يمنكهم تأجير عين اصطناعية لتساعدهم فى ازالة الرمد من العيون ثم بعدئذ ربما كان بإمكانهم ان يختاروا عدم القيام بأى شئ حتى يتمكنون من التوصل لانفسهم الى خطة ملائمة و بضع خبراء حقيقيين لمتابعة تنفيذها والاشراف عليها و مراقبتها.









و هاكم النص الانجليزى الاصلى للمقال


December 2004Once, They Were KingsIn her debut, our history columnist takes us on a tour of Cairo’s architectural layers By Fayza Hassan

FATIMID CAIRO MAY have had grandeur, but we only have the travelers’ word for it since little, if anything, is left of the monuments of the royal city, which has long been obliterated by waves of urbanization as numerous as they are misguided.

Up until the 19th century, Cairo seemed content to marinate in genteel decay, until one of Egypt’s rulers suddenly, and for his own personal glory, attempted to yank it out of the Middle Ages. In a desperate move to modernize Cairo in record time, Khedive Ismail incongruously decided to hide the indigenous quarters behind a curtain of Parisian-style buildings and, as if this were not enough, he also adopted the foreign fashion of adorning his new artificial squares and gardens with ubiquitous statues featuring the most illustrious members of Muhammad Ali’s dynasty and of those who served them best.

Nineteenth century travelers were often puzzled at the sight of Ibrahim Pasha on his proud steed urging visitors towards the closed quarters beyond Opera Square or of the rugged old warrior Soliman Pasha one of the great French sculptor Jacquemart’s masterpieces posthumously enjoying, in his bronze reincarnation, the lavish elegance of the most fashionable square of the capital, albeit modestly turning his back on Groppi, in those days the capital’s most famous salon de thé where the pashas had afternoon assignations with their mistresses of the moment.

Jacquemart was also commissioned to adorn the Qasr El-Nil Bridge with the pompous lions we can still admire today and to design the statue of Lazoghli (Muhammad Ali’s katkhuda military lieutenant). For the latter task, and since the original model had been dead for a while, he needed documentation of some sort to inform his sculpture. Busy thwarting the various plots that were regularly hatched against his master, Lazoghli had apparently not had time to pose for any artwork immortalizing his features.

Amin Sami, late 19th century chronicler and historian, recounts it in his Taqweem El-Nil (Survey of the Nile) that members of the government entrusted with solving this problem appealed to the prominent Sabet and Daramalli pashas whose families had been close to that of Lazoghli. The search proved unrewarding at first, but one evening, as the two pashas were sipping hot tea in their favorite café in Khan El-Khalili, Daramalli pointed to a saqqa (water bearer) walking by, half-bent under his goatskin container.

“Doesn’t he look exactly like Lazoghli?” he exclaimed. Bewildered at first, Sabet Pasha took a longer look at the saqqa. “The spitting image of the katkhuda,” he confirmed, nodding wisely.
The man was then approached by the two friends and promised a handsome reward if he met them the following day at a certain address. Meanwhile, they gathered a few clothes that they reckoned belonged to Lazoghli’s days as well as the indispensable sword, emblematic of his station in Muhammad Ali’s government. Decked out in the new costume, the saqqa was photographed by a professional. Satisfied with the result, the pashas presented Jacquemart with the photo, who used it as a model for the attractive statue that stands in Midan Lazoghli, next to the headquarters of a prominent state security organ.

The revolution put an abrupt end to the fun and games and launched itself in the eradication of landmarks evocative of the Muhammad Ali dynasty, in an attempt to purge Egypt of his tyrannical monarchy. Nationalist heroes in three-piece suits were eventually heaved on the pedestals of their pugnacious predecessors unless the pedestals remained statueless, a stern reminder of Egypt’s changed state of mind. Thus we can see today Talaat Harb imperturbably presiding over the traffic mayhem in the celebrated square that most Cairenes still call Soliman Pasha.

This too came to an end, however, and at the dawn of the 21st century, economic necessity led the authorities to give mass tourism a strong nod of approval. It soon became obvious that Cairo had to be refurbished if it was to play its role as a popular destination.
Meanwhile, thanks to the Open Door Policy, the building industry was booming. For some unfathomable reason the powers-that-be found inspiration there and it was decreed that the hasty restoration of Cairo would be entrusted to large building outfits equipped with what was believed to be the adequate machinery and manpower to do the job.

Enter the Egyptian entrepreneur. There is no need to recall the brouhaha that followed the architectural and urban blunders of these amateur restorers. Suffice to say that, aghast, the specialists who had unwittingly remained out of the loop appealed to international organizations for the protection of national heritage while helplessly witnessing the damage wrought on monuments and public spaces.

But the initiative did not stop there. Suddenly restoration and urban works became the only game in town. Unsold stocks of ceramic bathroom tiles came to grace median anemic flowerbeds and poorly supplied fountains, which displayed conspicuously the name of insurance or cell phone companies below cheaply crafted tin dolphins (groupers?), white frogs and malformed egrets. Granite, quarried around the clock, produced enough slabs for creating slippery walkways and for cladding public buildings indifferently. Huge decorative urns in garish colors were planted around Tahrir Square (once the delightful Ismailia Square) possibly with the mistaken belief that they would detract attention from the mess that has become the natural state of the place.

Another victim was Downtown’s Azbakiya Square that seemed to have fallen prey to a vengeful spirit. With the intricacy of its bridges, its gridlocked traffic, its grimy façades hurriedly covered with a coat of cheap paint in unexpected cheddar yellow, shocking pink, salad green or questionable salmon hues and its pretentious hotels, Cairo now terrifies tourists rather than attract them. Only the foolhardy choose not to bypass it.

Is there a remedy to this state of affairs? As a first step, the authorities would be well advised to declare a moratorium on urban improvements. Later they could hire an artistic eye to help them remove the most glaring eyesores and then maybe they could choose to do nothing until they can avail themselves of an adequate plan and a few real professionals to see it through. et

ليست هناك تعليقات:

الساعة

Cairo

التقويم

يا مصر تم الهنا

عداد الزيارات